دروس مستقاة من أحداث نفطية من العقد الماضي
- OGT
- 13 يناير 2020
- 3 دقائق قراءة

ها نحن قد دخلنا في عقد جديد من الزمن سوف يكون مليئاً بالتحديات، كما كان سابقه، إذ أننا سوف نبدأ هذا العقد بتحديات وتهديدات ظاهرة لمستقبل صناعة النفط، قد يكون مبالغاً في بعضه وقد يكون بعضه الآخر واقعياً. ولكن قبل الشروع في الحديث عن الدروس المستفادة من العقد الماضي، علينا تذكرالأحداث النفطية المهمة التي شهدتها الأعوام بين عامي 2010 و2019. لقد بدأنا 2010 باقتصاد عالمي يسعى للخروج من الركود عقب الأزمة المالية العالمية، واضطرابات سياسية أصابت بالوطن العربي، وأدت إلى بلوغ أسعار النفط إلى مستويات تزيد عن 100 دولار في الأعوام بين 2011 و2014. في تلك الفترة، كانت منظمة الدول المصدرة للبترول (أوبك) تشهد ازدهارا ، حيث وصلت أسعار النفط إلى مستويات لم يكن لأحد يحلم بها. صحيح أن سعر النفط تجاوز المئة قبل 2011 بثلاث سنوات، وتحديداً عام 2008، لكن ذلك الارتفاع لم يكن مستداماً، بل كانت المضاربات المالية هي السبب وراءه.
لقد مشت منظمة «أوبك» مشواراً طويلاً، وبلغت مرحلة لا بأس بها من النضج، إلا أن هذا النضج لم يكن كافياً للتخطيط لمستقبل أفضل. وقد كان هذا الأمر جلياً عندما تركت «أوبك» أسعار النفط تفوق المائة دولار لأعوام طويلة، والنتيجة هي السماح للتقنيات المضادة لـ«أوبك» بالظهور، مثل تقنية التكسير الهيدروليكي الذي بات مجدياً اقتصادياً بفضل «أوبك»، وأعطى المجال لمئات الحفارات بالإنتاج من أحواض النفط الصخري في أوكلاهوما وتكساس وغيرهما. ومع علو الأسعار، بات الحفر العميق في البحار، أو حتى الاستكشاف في القطب الشمالي، أمراً ليس بالمستحيل. وهنا نتوقف مع أول درس، وهو أن «المنظمة» لم تتعلم من أخطائها في الثمانينات، عندما ركزت على أسعار عالية، ولم تلاحظ خطورة ذلك على تطور البدائل، وكأن المستهلكين سوف يقفون مكتوفي الأيدي. الجميع يبحث عن سعر عادل للنفط، إلا أن النفط سلعة ليس لها سعر عادل، بسبب الاختلاف الشاسع بين طبيعة البلدان المنتجة والمستهلكة له. وبدا جليا أن «أوبك» ما تزال تركز على الميزانيات العامة على المدى القصير، دون التركيز على استمرارية السلعة على المدى الطويل. وخلال الفترة بين 2011 - 2014، لم يتحول كل هذا الدخل الضخم إلى استثمارات من أجل تنويع مصادر الدخل، بل رفع الإنفاق العام الحكومي في بلدان «أوبك» بشكل كبير، دون عائد مستقبلي من هذه الأموال. لقد نضجت منظمة «أوبك» كمنظمة، لكنها لم تنضج كمجموعة ببلدان منتجة، إذ لم يغير ارتفاع سعر النفط شيئاً من تعاملها مع المستقبل. وقد يشفع لبعض بلدان «أوبك» بناء احتياطيات نقدية عالية في تلك الفترة، ولذا عندما بدأت أسعار النفط في الانخفاض، بدءاً من نهاية 2014، لجأت بعض البلدان إلى الاحتياطي من أجل الصمود أمام تآكل المداخيل. ولا يمكن حقيقة معرفة مدى النضج الذي وصلت له «أوبك»، إذ كان هناك الكثير من الأصوات التي نادت وحذرت عام 2012 من خطورة إرتفاع إنتاج النفط الصخري، ولكن أوبك لم تقابل ذلك إلا بالاستهزاء من قدرات المنتجين، والتشكيك في قدرتهم على الصمود أعوام أطول. وفي حقيقة الأمر، دخلنا السنة الثامنة، ومازال إنتاج النفط الصخري موجودا، حتى مع ترجيحات وصوله إلى الذروة. لقد فاجأ النفط الصخري الجميع، وهذا يعود إلى الهندسة المالية التي قامت بها الشركات المنتجة له، حيث قللت التكاليف، واستدانت الأموال الكثيرة من وول ستريت، وشجعها في ذلك دعم الحكومة بهدف جعل الولايات التحدة بلداً منتجاً ومصدراً للنفط. وهذا ما تحقق في الآخر، حيث أنه بعد عقود طويلة، صدرالنفط الأميركي خارج البلاد، كما تحولت محطات استقبال الغاز المسال إلى محطات للتصدير.
ومن الملاحظ أن العقد الفائت كان عقداً نفطياً، بالرغم من ظهور السيارات الكهربائية وانتشارها التدريجي. وليس من المعلوم حقيقة فيما إذا كانت السيارات الكهربائية تتعتبر تهديدا كبيرا لمستقبل النفط أم لا، إذ أن التهافت الكبير على إنتاجها يعيد إلى الأذهان فقاعة تقنية المعلومات عامي 1999 و2000، عندما ارتفعت أعداد شركات تقنية المعلومات، وزادت أسعارها في البورصات. وعندما يبدأ الكل بالتقليد، وعمل الشيء ذاته، فيوجد مشكلة آتية، وانهيار بعد تشبع الأسواق بالشركات المنتجة. وهذا توجه عالمي قديم بتنا نراه واضحاً في جميع أنشطة العالم الاقتصادية. لم يتغير الوضع عام 2014 عنه في عام 1890، وقتما كانت ولاية بنسلفانيا تشهد هجرة السكان إليها من كل الولايات المتحدة، يبحثون جميعهم عن فرصة ثراء عبر إنتاج النفط، وعندما تشبعت الأسواق وانهار الإنتاج خرج العديد من هؤلاء. إن البنوك العالمية في كل زمان تمارس الدور ذاته؛ فهي تعطيك المظلة في الأيام التي يكون فيها الجو صحوا، وتأخذها منك في الأيام الماطرة. هذا ما حصل مع النفط الصخري، وسوف يحصل مع شركات السيارات الكهربائية، ومع كل مشروع بشري. ما نريد لبلدان «أوبك» فهمه، ولربما تفهمه جيداً، هو أن المستقبل ليس للبترول، حتى وإن بقي الوقود الأكثر أهمية ومبيعاً، لأن التطور البشري لن يتوقف على بضاعة واحدة لمدة قرنين من الزمن. وما على الجميع التفكير به يومياً هو خلق اقتصاديات وأنظمة جديدة قادرة على الازدهار والمقاومة والاستمرار.
Comments