تقدير الاحتياطي النفطي
- OGT
- 22 أكتوبر 2019
- 3 دقائق قراءة
تاريخ التحديث: 28 فبراير 2020
معظم الترسبات النفطية تكون قد تكونت في الأساس في مناطق غير التي توجد فيها الآن، وغالباً ما تكون قد هاجرت أفقيًّا أو رأسيًّا إلى حيث المصائد الحالية التي لا تسمح لها بالمرور في أي اتجاه جديد. وأغلب المكامن النفطية تكون طبقاتها منحنية على شكل قبة، يعلوها عادة طبقات صماء لا تخترقها السوائل والغازات. ويقدر عمر المواد النفطية بستين إلى سبعين مليون سنة. وهي ملازمة للطبقات الرسوبية من التكوينات الصخرية التي تتوافر فيها المسام الميكروسكوبية. والمسام عبارة عن غرف متناهية الصغر لا تُرى إلا من خلال الميكروسكوب.
وعادة ما تكون تلك الغرف متواصلة مع بعضها بواسطة منافذ ميكروسكوبية. وتختلف نسبة حجم المسام إلى حجم الصخور الحاملة للسوائل النفطية من نوع لآخر. وكلما ارتفعت النسبة واتسعت المنافذ بين الغرف، ارتفعت كمية الإنتاج وكمية استخلاص السوائل النفطية. ويوجد السائل النفطي داخل المسام الميكروسكوبية مع نسبة قليلة جدا من الماء وكمية من الغاز المذاب تختلف نسبته من حقل لآخر. وفي معظم الحقول توجد كميات كبيرة من المياه عالية الملوحة تحت النفط، وتساعد على دفعه إلى أعلى في حالة الإنتاج. ولوجود الغاز المذاب أهمية قصوى في إنتاج المواد النفطية ودفع السائل إلى أعلى من خلال فوهة البئر. ويشبهون ذلك بقارورة الببسي عندما يتم خضها، ثم فتح غطاء القارورة فيندفع السائل خارجها بقوة كبيرة.

وقبل عملية التقدير المبدئي للاحتياطي القابل للإنتاج، نحصل على معلومات عن طبيعة الصخور الحاملة للمواد الهيدروكربونية وخواص المواد النفطية. ولا يكتمل تقدير الاحتياطي إلا بعد سنوات من الإنتاج والحصول على معلومات إضافية. وأول خطوة تبدأ بتقدير حجم الصخور الحاملة للنفط، عن طريق ضرب أبعاد الصخور، الطول والعرض والعمق. ومن ثم حساب معدل نسبة الفراغات الصخرية بعد أخذ عينات من أماكن مختلفة، وقياس نسبة حجم الغرف الميكروسكوبية إلى حجم الصخور نفسها. ونحصل على هذه المعلومة من عينات صخرية يتم قصها في أثناء الحفر. ونحصل على عينات من المواد الهيدروكربونية لمعرفة كثافتها وكميات الغاز الذائب والضغط داخل المكامن ودرجة الحرارة، إضافة إلى معلومات جانبية أخرى يحصلون عليها بعد بدء الإنتاج.
وأول معلومة يتم تسجيلها هي تقدير كامل الاحتياطي النفطي المحتمل وجوده داخل صخور الحقل، يليه تقدير كمية الاحتياطي القابل للإنتاج بموجب طرق الإنتاج المعروفة حينئذ، وهو المهم. ويمثل الاحتياطي القابل للإنتاج نسبة تراوح بين 30 و60 في المائة من المجموع الكلي للاحتياطي الأصلي، وتسمى نسبة الاستخلاص. وهناك حقول نادرة قد تكون نسبة الاستخلاص فيها أقل من 30 في المائة، وأخرى قد ترتفع فيها النسبة إلى 70 في المائة. ويتحكم في مقدار نسبة الاستخلاص عدة عوامل. من أهمها العوامل الجيولوجية المتمثلة في حجم مسام الصخور وسعة المنافذ الموصلة بينها، وكمية الغاز المذاب، وطريقة التحكم في كميات الإنتاج، ومراعاة إنتاج كمية الغاز المصاحب، وطرق تفادي خروج الماء مبكراً، وهو الماء الذي يوجد تحت النفط أسفل المكمَن. ومن الأفضل ألا تكون كمية إنتاج الآبار عند حدها الأقصى، فكلما انخفضت الكمية عمدًا، تحسنت ظروف الاستخلاص النهائي للحقل، وهذه من العوامل التي لا تلقي لها الشركات الأجنبية المشارِكة بالا؛ لأن هدفهم هو إنتاج أكبر كمية ممكنة في وقت قياسي.
ولذلك فنحن نتمنى ألا تضطر دولنا العربية إلى الاستعانة بالشركات غير الوطنية للمشاركة وتقاسم ثرواتنا الناضبة.
كما أن حقن كميات كبيرة من الغاز أو الماء يساعد على رفع نسبة الاستخلاص، وبالتالي مقدار الاحتياطي القابل للإنتاج. واختيار الغاز أو الماء يعتمد على طبيعة المكامن. وهناك حقول تقبل الغاز والماء. ومعظم الحقول تنتج في المراحل الأولى نفطاً نقيًّا، وبعد سنوات يتسرب الماء إلى الآبار وتزداد نسبته مع مرور الوقت. وكلما ارتفعت نسبة الماء، ارتفعت تكاليف الإنتاج. ويستمر ارتفاع نسبة الماء حتى يصل إلى مستويات يكاد يتوقف معها الإنتاج. وهناك حقول تنتج 90 في المائة ماء و10 في المائة فقط نفط، وهي مرحلة لا بد من بلوغها عاجلاً أم آجلاً. وقد طرأ خلال السنوات الماضية تحسن كبير في دقة عملية تقدير الاحتياطي نتيجة لتطور المسح الاهتزازي لطبقات الأرض إلى ثلاثي ورباعي الأبعاد واستخدام الحاسوب فائق السرعة. ومع شيء من المبالغة، فإن مهندس مكامن النفط يستطيع بمساعدة برامج حاسوبية متقدمة التخيل بأنه يتنقل بين الغرف الميكروسكوبية عبر دهاليزها متناهية الصغر، ويصعد إلى مختلف الطبقات كما يتجول الإنسان داخل غرف القصر، ولذلك فإن تقدير الاحتياطي اليوم أصبح أكثر دقة من الماضي.
ومما يلفت النظر إقدام كثير من الدول من منتصف الثمانينات، وخاصة دول الأوبك، على تضخيم الاحتياطي بنسب كبيرة قد تصل إلى 50 في المائة دون أي مبرر. وهذا مما يفقد الثقة بمستقبل أعمار ثرواتنا النفطية، خصوصًا عندما تكون شعوب تلك الدول غير منتِجة وتعتمد اعتماداً كليًّا على المداخيل النفطية. أما على مستوى العالم فإن عدم الإفصاح عن الاحتياطي الحقيقي قد يوهم البعض بأن الوفر النفطي من التقليدي الرخيص سيدوم مدة أطول فلا يتخذوا أي احتياطات تحسُّباً لنضوبه، وتكون النتيجة كارثة اقتصادية لا قدر الله.
الكاتب: عثمان الخويطر
المصدر: الإقتصادية
Comments